ما تحتاج لمعرفته عن دعوى الرؤية في قانون الاحوال الشخصية في الإمارات بعد الطلاق

في عالم الأسرة اليوم، حيث أصبح الطلاق أمراً شائعاً، يبرز قانون الاحوال الشخصية في الإمارات كأداة أساسية للحفاظ على الروابط الأسرية دون تعريض الطفل للضرر. تعد دعوى الرؤية الوسيلة القانونية الرئيسية التي تسمح  لغير الحاضن بزيارة أطفاله بعد  الطلاق، مع التركيز على مصلحة الطفل كأولوية قصوى.

في هذا المقال سنستعرض كل ما تحتاج إلى معرفته عن هذه الدعوى، مستندين إلى المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن إصدار قانون الأحوال الشخصية، سنغطي الأساسيات، الإجراءات، الشروط، والعقوبات، مع التركيز على كيفية ضمان حقوق الجميع في ظل هذا التشريع .

 

دور القانون في حماية حق الطفل وحق الأبوين

يُعد قانون الأحوال الشخصية في الإمارات، الذي صدر بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، إطاراً شاملاً يهدف إلى حماية حقوق الطفل كعنصر أساسي في بناء المجتمع. يُبرز القانون أن مصلحة الطفل هي الأولوية في جميع الإجراءات المتعلقة بالحضانة والرؤية، كما ينص على ذلك في المادة 112، التي تُلزم المحاكم بمراعاة الاستقرار العاطفي والنفسي للطفل. بالنسبة للوالدين، يوازن القانون بين حق كل منهما في التواصل مع الطفل، مع الاعتراف بأن الطلاق لا يُنهي الروابط الأسرية. ففي المادة 3/3/ب،  اينعقد الاختصاص لمحاكم الأحوال الشخصية للنظر في الدعاوى المتعلقة بالحضانة والرؤية، مما يضمن تدخلاً قضائياً سريعاً وفعالاً لمنع النزاعات الاسرية .

كما يفرض القانون شروطًا صارمة على الحاضن، من بينها العقل والاستقامة والأمانة والسلامة الصحية، وفقًا للمادة 113، وذلك لضمان توفير رعاية سليمة للطفل بعيدًا عن مظاهر الإهمال. ويمتد الدور الوقائي للقانون ليشمل تعزيز التعاون داخل الأسرة، من خلال تشجيع التسويات الودية للنزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء، بما يسهم في الحفاظ على استقرار الأسرة والحد من الآثار النفسية السلبية على الأطفال. وفي المحصلة، يرسّخ القانون مبدأ “مصلحة الطفل الفضلى” كمرتكز أساسي لكل قرار، مما يجعله إطارًا فعّالًا لحماية الأجيال القادمة.

 

ما هي دعوى الرؤية في الإمارات؟

تُعد دعوى الرؤية إجراءً قضائياً يُرفع أمام محاكم الأحوال الشخصية في دولة الإمارات بهدف تنظيم حق غير الحاضن في رؤية أطفاله بعد وقوع الطلاق أو الانفصال. وتكمن غاية هذا الإجراء في ضمان استمرارية التواصل بين الطفل والوالد غير الحاضن، مع التأكيد على أن مصلحة الطفل تظل المعيار الأساس في جميع القرارات المرتبطة به. وعملاً بالمادة 121/1 من القانون الجديد، يلتزم الحاضن بتمكين الطرف الآخر من ممارسة حقه في الرؤية وفق ما يتم الاتفاق عليه بين الوالدين، أو بناءً على ما تقرره المحكمة في حال تعذر التوافق.

لا تُعد دعوى الرؤية مجرد طلب لزيارة الطفل، بل تمثّل آلية قانونية تهدف إلى صون حق الطفل في التواصل مع كلا والديه، سواء في الحالات التي يُنظر فيها إلى رؤية الصغير لما لسنّه من حساسية، أو في النزاعات الأسرية المعقدة. وقد اكتسبت هذه الدعوى في دولة الإمارات مزيداً من المرونة بموجب القانون الذي يجيز تعديل ترتيبات الرؤية بما يتناسب مع المتغيرات الطارئة على ظروف الطفل، الأمر الذي يجعلها أداة فعّالة للحفاظ على التوازن الأسري. وفي سياق الطلاق الدولي، قد تمتد الدعوى لتنظيم الزيارات عبر الحدود، مع إيلاء الاعتبار الأول لعناصر السلامة والطمأنينة. ومن ثمّ، تُشكّل دعوى الرؤية جسراً قانونياً يصل بين الماضي الأسري والمستقبل، بما يكفل للطفل بيئة حانية تحافظ على علاقته بكلا والديه.

 

الأساس القانوني لرؤية الأطفال بعد الطلاق

رتكز قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات على مبادئ مستمدة من الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الطفل، وذلك وفق ما نص عليه المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024. وتشكل المادة (3) حجر الأساس في هذا الإطار، إذ تمنح محاكم الأحوال الشخصية الاختصاص الحصري في نظر الدعاوى المتعلقة بالرؤية، بما يضمن توحيد الإجراءات وسرعة الفصل فيها. كما تُلزم المادة (121/1) الحاضن بتمكين غير الحاضن من حق الرؤية، سواء كان ذلك باتفاق الطرفين أو بموجب حكم قضائي، مع مراعاة ترتيب المستحقين للحضانة المنصوص عليه في المادة (114)، التي تُقدّم الأم ثم الأب، وفق ما تقتضيه مصلحة الطفل الفضلى.

كما يشجّع القانون، عملاً بالمادة (8)، على اللجوء إلى مراكز الإصلاح الأسري قبل رفع النزاع للمحكمة، تعزيزاً للحلول الودية وحفاظاً على استقرار الأسرة. وبهذا، يقوم النظام القانوني على بنية متوازنة تجمع بين أحكام الشريعة وروح التشريعات الحديثة، بما يضمن حماية فعّالة للأسرة والطفل في المجتمع الإماراتي.

 

من يحق له رفع دعوى الرؤية؟

يُمنح الحق في رفع دعوى الرؤية ابتداءً  لغير الحاضن، عملاً بالمادة (121/1) التي تُلزم الحاضن بتمكين الطرف الآخر من ممارسة حقه في الزيارة، مما يجعل  غير الحاضن صاحب الحق الطبيعي في مباشرة هذه الدعوى. غير أنّ هذا الحق يمتد ليشمل فئات أخرى من الأقارب  من الأجداد وفق ما تقتضيه مصلحة الطفل، وذلك استناداً إلى أحكام المادة (121).

حيث يكون لكلٍّ من الأم أو الأب الحق في طلب تنظيم الرؤية بما يكفل استمرار تواصل الطفل مع الطرف الآخر من دون إرهاق أو مشقّة. كما يُمنح الطفل، عند بلوغه سنّ التمييز، فرصة إبداء رأيه أمام المحكمة واختيار ما إذا كان يرغب في البقاء مع الحاضن أو الانتقال للعيش مع الطرف الآخر، على أن تُراعى في ذلك مصلحته الفضلى باعتبارها المعيار الحاكم لقرار المحكمة. الأمر الذي يعزز مشاركته في اتخاذ القرارت المتعلق به. وفي النزاعات الأسرية المعقدة، لاسيما تلك الناشئة عن زيجات مختلطة، يحق للشريك الأجنبي المقيم في دولة الإمارات رفع دعوى الرؤية أسوةً بغيره.

وبذلك، يُوسّع القانون دائرة المستفيدين من هذا الحق بما يحقق رفاهية الطفل ويحافظ على امتداد الروابط الأسرية، مع التركيز على كل من يُسهم فعلياً في تنميته النفسية والاجتماعية.

 

شروط وإجراءات رفع دعوى الرؤية

لرفع دعوى الرؤية يجب توافر شروط أساسية تُراعي مصلحة الطفل كما في المادة 121، التي تُلزم الرؤية باتفاق الوالدين أو حكم قضائي. أما إجراءات رفع دعوى رؤية صغير، فتبدأ بعرض النزاع على مركز الإصلاح الأسري لمحاولة الصلح طبقا للمادة 8، ثم رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة بموطن المدعى عليه (المادة 3). يُقدم الطلب كتابياً  ومدعومة بالمستندات على سبيل المثال وثيقة الطلاق و شهادة ميلاد المحضون.  حيث تُسمع الدعوى  وتُصدر المحكمة حكماً قابلاً للتنفيذ الفوري. هذه الخطوات تضمن عدالة سريعة، مع إمكانية الاستئناف إذا ثبت خطأ في التقدير.

 

أماكن وأوقات تنفيذ الرؤية

يُحدد القانون أماكن وأوقات الرؤية بمرونة لتناسب حياة الطفل، كما في المادة 121، حيث تُرتب الزيارات باتفاق الوالدين أو حكم المحكمة مع مراعاة الروتين اليومي للطفل. عادةً، تكون الأماكن محايدة مثل الحدائق أو مراكز الترفيه، أو منزل الحاضن، لتجنب التوتر، خاصة في دعوى رؤية صغير حيث يُفضل البيئات الهادئة. أما الأوقات، فتشمل عطلات نهاية الأسبوع أو الأعياد، مع إمكانية الإقامة المؤقتة لدى غير الحاضن في فترات الإجازات. يجوز تغيير هذه الترتيبات إذا تغيرت الظروف،  حيث يُمكن نقل الزيارة إلى مكان آخر باتفاق أو أمر قاضي التنفيذ (المادة 121). هذه الترتيبات تجعل الرؤية تجربة إيجابية، تعزز الروابط دون إرهاق  للاسرة .

الحالات التي يجوز فيها تعديل أو رفض الرؤية

لا تُقبل دعوى الرؤية ولا يُصار إلى تعديلها إلا إذا كانت محققة لمصلحة الطفل الفضلى. وقد ترفض المحكمة طلب الزيارة إذا ثبت وجود ضرر نفسي محتمل على الطفل، مع إمكانية استبدالها بوسائل تواصل غير مباشرة، كالاتصال الإلكتروني. وتأتي هذه الاستثناءات حمايةً للطفل من أي استغلال أو أذى، مع الإبقاء على قدر من المرونة يتيح تعديل الترتيبات متى دعت الحاجة، بما يجعل النظام قابلاً للتكيّف مع المتغيرات الواقعية والظروف الأسرية المستجدة.

 

عقوبات الامتناع عن تنفيذ حكم الرؤية

يفرض القانون عقوبات مشددة على الامتناع عن تنفيذ أالاحكام الصادرة عن محكمة  ضالاحوال الشخصية صونا لاحترام الاحكام والقرارات القضائية. فوفقاً للمادة (121/5)، تُنفّذ الاحكام جبراً في حال امتناع   المحكوم ضده عن الالتزام بما صدر من قرارات او احكام، وقد يترتّب على ذلك سحب  الحضانة عملاً بالمادة (251). كما تنص المادة (251/3) على معاقبة من يتعمد إخفاء الطفل عن الرؤية أو إخفاء وثائقه بالحبس والغرامة، في حين تقرر المادة (252) غرامة قد تصل إلى 100,000 درهم عند وقوع الانتهاكات المتعمدة.

وفي حال تكرار التعنّت، يجوز للمحكمة فرض عقوبات إضافية، من بينها التعويض المالي للطرف المتضرر. ولا يُنظر إلى هذه التدابير باعتبارها جزاءات عقابية فحسب، بل كآليات وقائية ترمي إلى تعزيز الامتثال الطوعي للأحكام القضائية، مع إمكانية اللجوء إلى التنفيذ الفوري عبر قاضي التنفيذ. وبذلك، يحقق القانون فعالية عملية لحق الرؤية، فيحوّل الضمانات القانونية إلى حماية واقعية ملموسة.

اقرأ ايضا : حضانة الطفل بعد زواج الأم: متى تفقد الحاضنة حقها؟

خاتمة: تأكيد أهمية التعاون لحماية مصلحة الطفل

في الختام، يرسّخ قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات مبدأ أن الطلاق لا يمثّل نهاية الأسرة، بل يشكّل فرصة لإعادة بناء الروابط الأسرية على أسس أكثر صحة وتوازناً، مع اعتماد دعوى الرؤية كأداة محورية في هذا الإطار. وباعتماد مصلحة الطفل الفضلى كأولوية عليا، وبتوفير إجراءات مرنة وفعّالة، يشجّع القانون على التعاون بين الوالدين، حيث يعلى القانون الاتفاق الودي على اللجوء إلى المنازعات القضائية. ويُعدّ التعاون هنا واجباً أخلاقياً وقانونياً، لما له من أثر مباشر في تخفيف الضغوط عن الطفل وتعزيز استقراره النفسي.

وعند تعذّر الاتفاق، تتدخل المحاكم لإرساء العدالة وضمان الحقوق، غير أن النجاح الحقيقي يظل متحققاً عبر الحوار الأسري البنّاء. وفي حال مواجهة أي نزاع، ينبغي استحضار أن مصلحة الطفل هي الهدف الرئيس الذي يجب أن تتضافر الجهود من أجله.

وللحصول على استشارة قانونية متخصصة في هذه المسائل،  اعن طريق لتواصل مع iLaw، لما يقدّمونه من دعم قانوني للأسر في دولة الإمارات. ولا يُنصح بالتردد في طلب المساعدة لضمان حقوقكم وحقوق أطفالكم.