الزواج في الإسلام يقوم على المودة والرحمة، كما قال تعالى:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” الروم: 21.
لكن في بعض الأحيان، قد تتحول العلاقة بين الطرفين إلى مصدر للألم والمعاناة بدلًا من أن تكون سكنًا ورحمة، وهنا جاءت أحكام الطلاق للضرر كحل شرعي وقانوني يحمي الطرف المتضرر.
وقد نظم مرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية للمسلمين هذه المسألة بشكل دقيق، ليجعل أحكام الطلاق للضرر منسجمة مع مقاصد الشريعة الإسلامية في رفع الضرر وحماية الحقوق.
ما هو الطلاق للضرر؟
- شرعًا: أجاز الفقهاء للزوجة أن تطلب التفريق إذا لحقها ضرر من زوجها لا تستطيع الصبر عليه، استنادًا إلى قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.
- قانونًا: نصت المادة (71) على أن لكل من الزوجين الحق في طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف، وعلى المحكمة أن تحكم به إذا ثبت الضرر وتعذر الإصلاح.
بمعنى أوضح: الطلاق للضرر ليس خروجًا عن الدين، بل هو تطبيق لمبدأ شرعي أصيل يحفظ كرامة الزوجة وحقها في حياة آمنة.
الحالات التي تجيز الطلاق للضرر
عدم الإنفاق
- في الشريعة: النفقة واجبة على الزوج لقوله تعالى:
“وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” البقرة: 233.
- في القانون: نصت المادة (77) على أنه إذا امتنع الزوج عن الإنفاق أو عجزت الزوجة عن استيفاء النفقة، جاز لها طلب الطلاق.
فإذا ترك الزوج زوجته بلا طعام أو علاج أو مسكن رغم استطاعته، فلها حق طلب الطلاق فورًا.
الهجر
- في الشريعة: الأصل أن يعاشر الزوج زوجته بالمعروف، والهجر الطويل يُعتبر تفريطًا في الحقوق.
- في القانون: المادة (78) قررت أن الهجر أكثر من ستة أشهر بلا مبرر يُعتبر سببًا للطلاق.
على سبيل المثال زوج يترك بيت الزوجية ويعيش في مكان آخر ولا ينفق على زوجته ولا يعاشرها، هنا القانون والشريعة يعطيان الزوجة الحق في طلب الطلاق.
الغياب أو الحبس
- في الشريعة: إذا غاب الزوج فترة طويلة وتضررت الزوجة، أجاز الفقهاء التفريق حماية لها.
- في القانون: المادة (79) منحت الزوجة الحق في طلب الطلاق إذا غاب زوجها أكثر من ستة أشهر، أو كان محبوسًا ثلاث سنوات فأكثر.
إذا سافر الزوج وترك زوجته بلا نفقة أو كان محبوسًا لسنوات، فالزوجة ليست مجبرة على الانتظار إلى ما لا نهاية، بل يحق لها طلب الطلاق.
الإدمان على المخدرات أو المسكرات
- في الشريعة: شرب المسكرات محرم، وإذا كان الزوج مدمنًا يضر نفسه وأسرته، فللزوجة أن تطلب الطلاق.
- في القانون: المادة (80) نصت صراحة على ذلك كسبب مشروع للتطليق.
حيث ان لإدمان لا يضر فقط بالزوج، بل يعرض الأسرة كلها للانهيار، لذلك أعطى القانون الزوجة الحق في إنهاء الزواج لحماية نفسها وأولادها.
الإيذاء النفسي أو الجسدي
- في الشريعة: قال تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” [النساء: 19]. والمعروف هنا يشمل الكلمة الطيبة والاحترام.
- في القانون: المادة (71) اعتبرت أي ضرر مادي (كالضرب) أو معنوي (كالإهانة) سببًا للطلاق.
لو أن الزوج يسيء بالكلام أو يضرب زوجته باستمرار، فهذا ضرر معتبر شرعًا وقانونًا ويمنح الزوجة حق طلب الطلاق.
إجراءات الطلاق للضرر
- اللجنة تسوية وفض المنازعات الأسرية: تُحاول أولًا الصلح بين الزوجين، وهذا يتفق مع قوله تعالى: “فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا” [النساء: 35].
يعتبر هذا الاجراء جوهري وضروري قبل رفع الدعوى حتى تصبح الدعوى مقبولة امام المحكمة وينتهي هذا الاجراء اما بالتسوية او بقرار تعذر التسوية وبناء على ذلك يتم اللجوء لرفع دعوى الطلاق للضرر امام المحكمة.
- رفع الدعوى: إذا فشل الصلح، تُرفع القضية إلى المحكمة.
- إثبات الضرر: بالبينة والشهود والتقارير الطبية أو أي وسيلة إثبات معتبرة.
- الحكم القضائي: إذا ثبت الضرر، تحكم المحكمة بالطلاق.
مع الأخذ في الاعتبار ان الحكم في الشق الخاص بإيقاع الطلاق لا يصبح نهائي الا بعد استنفاذ سبل الطعن عليه علما بانه إذا اشتمل على حكم بالنفقات يتم تنفيذها فور صدور حكم محكمة اول درجة.
هل يمكن أن يُرفض طلب الطلاق للضرر؟
نعم، إذا لم تستطع الزوجة إثبات الضرر، أو إذا رأت المحكمة أن الخلاف بسيط ويمكن إصلاحه. وفي هذه الحالة تُعطي المحكمة فرصة للصلح قبل إصدار الحكم.
وهنا يثور التساؤل كيف تثبت الزوجة الضرر؟
إثبات الضرر أمام المحكمة قد يتم عبر وسائل متعددة مثل:
- شهادة الشهود.
- تقارير طبية أو محاضر شرطة.
- الرسائل أو المراسلات التي تثبت الإساءة.
- أي وثائق رسمية أو قرائن قوية.
دور المحكمة في الإصلاح
قبل الحكم بالتطليق، تُحاول المحكمة الإصلاح بين الزوجين عبر جلسات استماع أو تعيين حكمين من الأهل أو من ذوي الخبرة. فإن تعذر الإصلاح وثبت الضرر، قضت المحكمة بالتطليق
حقوق الزوجة بعد الطلاق للضرر
وهناك مجموعة من الحقوق كفلها القانون الإماراتي للزوجة المطلقة حفاظا على كرامتها وهي:
- المهر المؤخر: وهو دين في ذمة الزوج.
- نفقة العدة والمتعة: بما يكفل حياة كريمة للزوجة بعد الطلاق.
- حق الحضانة للأبناء مع النفقة اللازمة لهم.
هذه الحقوق كلها مأخوذة من القرآن والسنة، فهي ليست منحة من القانون، بل إحياء لحقوق شرعية أصيلة.
هل يُعد الطلاق للضرر في القانون الإماراتي متوافقًا مع احكام الشريعة؟
جاءت أحكام القانون الإماراتي متفقة مع الشريعة الإسلامية، حيث أجاز الفقهاء للزوجة طلب التفريق إذا لحق بها ضرر، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار". فالزواج في الإسلام ميثاق رحمة ومودة، فإذا انقلب إلى ظلم وأذى، كان التفريق مشروعًا حفاظًا على الكرامة الإنسانية.
بالإضافة الى توسيع أسباب الطلاق للضرر لتشمل الإدمان والحبس والغياب الطويل، وهي مسائل كانت سبب معاناة في السابق، كما وازن بين مصلحة الزوجة واستقرار الأسرة، حيث يبدأ دائمًا بمحاولة الإصلاح قبل الطلاق.
الطلاق للضرر ليس تمردًا على الحياة الزوجية ولا مخالفة للشريعة، بل هو حق مشروع للمرأة يحفظ كرامتها وحقوقها، وجاء القانون الإماراتي ليُترجم هذا الحق إلى واقع قانوني واضح ومحدد.
فإذا تعذر استمرار الزواج وأصبح مصدر أذى، فإن الطلاق للضرر يكون حلًا شرعيًا وقانونيًا رحيمًا يحمي الأسرة من الانهيار الكامل.
إذا كنتِ تواجهين أيًا من حالات الطلاق للضرر أو ترغبين في فهم حقوقك والإجراءات القانونية بدقة، فإن مجموعة iLaw تقدم لكِ الدعم الكامل عبر فريق من المحامين المتخصصين في قضايا الأحوال الشخصية.
يمكنكِ استشارة خبرائنا للحصول على استشارات قانونية عملية ومبنية على خبرة واسعة في المحاكم الإماراتية، مما يضمن لكِ حماية حقوقك واتخاذ القرارات السليمة بثقة.